17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| الكمان و الإنسان والوطن

إيقاع مختلف| الكمان و الإنسان والوطن

شَجَنٌ يُخَبِّئُهُ الكَمَانْ

قَوسٌ، وَأوتَارٌ، يَدانْ

نَغَمٌ يُنَقِّبُ فِى الكِيانِ 

مُفَتِّشَاً 

عَمَّا يُخَبَّأُ فِى الكِيانْ

وَيُبَعثِرُ الأَيَّامَ فِى عُمْرِى

لِيَقنِصَ لَحْظَةً

تَأتِيهِ بِالعِطرِ المُعَتَّقِ

فِى قَوَارِيرِ الجِنَانْ 

وَفَتًى يُسَافِرُ فِى المَجَرَّاتِ  الحِسَانِ 

فَيَصْطَفِيهِ السِّحْرُ فِى قَلبِ الحِسَانْ

مَنْ ذَلِكَ الطِّفلُ المُوشَّحُ وَاقِفاً

يُلقِى بِآَيَاتِ الكِتَابِ 

عَلَى المَدَى

فَيَهُزُّ  أَسْمَاعَ المَكَانْ

وَالرَّاءُ طَيرٌ فِى الفَضَاءِ 

مُرَاوِغٌ

وَاللَّثغَةُ الحَيرَى تَفِرُّ  

وَخلفَهَا يَجرِى اللِّسَانْ

شَجَنٌ يُخَبِّئُهُ الكَمَانْ

لُغَةٌ تُمَوسِقُ هَذِهِ الأَنسَامَ 

حَانِيَةً

فَيَرتَعِشُ الزَّمَانْ

يَنسَابُ مَاءُ السِّحرِ  

مِنْ عَينَى حَنِينِى

تَستَضِىءُ المُقلَتَانْ

لِلدَّمعِ نُورٌ  عَبقَرِىٌّ 

إِنْ جَرَى مُتَوَهِّجاً كَالأقحُوانْ

لا لَيسَ بَوحُ الدَّمعِ حُزناً

بَل حَنِيناً 

ذَابَ فِى  نهرِ الحَنَانْ

وَسَعَى إِلَى رُوحِى أَنَا   

نَشوَى بِأنغَام الكَمَانْ

من بين كل الآلات الموسيقية، تظل آلة الكمان دائما قادرة على أن تسحرنى لا على سبيل الإدهاش والإبهار، بل على سبيل ملامسة الروح، وفتح بوابات الحنين، واستدعاء سيل الذكريات، و التحليق فى فضاءات الحلم، بحيث أشعر وكأنها تعيد إلىَّ إنسانيتى التى توشك أن تضيع وسط ركام الضجيج اليومى الصاخب.

لطالما تمنيت أن أتعلم العزف على هذه الآلة الساحرة المسحورة، لكنها ظلت أمنية على رف الأمنيات المؤجلة.

كثيراً ما أشعر بأن هذه الآلة المدهشة  توشك أن تنطق بلسان عبقرى مبين، وفى المقابل فإن كل صوت بشرى جميل منضبط، يذهبون إلى تشبيهه بآلة الكمان، أذكر مثلاً أنهم كانوا يشبهون صوت المطربة المبدعة ليلى مراد بأنه صوت يشبه الكمان، وهم فى ذلك محقون، فصوتها قادر على ملامسة الروح، وفتح بوابات الحنين، واستدعاء سيل الذكريات، و التحليق فى فضاءات الحلم، تماما كما يفعل صوت الكمان الساحر .

الموسيقى ليست ترفاً، ولا هى لون من ألوان المتعة النخبوية، التى يحظى بها أولئك الذين يملكون رفاهية الانفصال عن الواقع، أو ليسوا مضطرين إلى اللهاث الدائم خلف لقمة العيش، أو النهوض بأعباء الحياة، بل على العكس تماماً، يمكن أن تكون الموسيقى بوابة الكادحين إلى أن يشعروا بإنسانيتهم فى الوقت ذاته الذى يساعدهم فيه على النهوض بما يحملون من أعباء، ولا أظن أننى بحاجة إلى  أن أتذكر ما فعله سيد درويش، حين أطلق تلك الطاقات الكامنة فى أغانى المهن المختلفة، وأولاها أغانى العمال والفلاحين، ليقول بموسيقاه وأغنياته، إن الموسيقى أكبر وأهم وأعلى كثيراً مما يظن الكثيرون، وإن العثور على نغمة الوطن وموسيقاه لون عميق من ألوان النضال الوطنى.
----------------
بقلم: السيد حسن
من المشهد الأسبوعي.. اليوم مع الباعة

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة